السبت، 27 فبراير 2021

المنشور "152" (الاعراف والاسراف)


لقد ذكرت لكم سابقً بأن المنهج الكوني القرآني سهل وممتنع في الوقت ذاته ومن انه بسيط جدا وسهل للغاية إن انتم اتبعت قواعده التي اضعها لكم ومن أنه صعب جدا أيضاً إن انتم لم تنسوا أو تتناسوا مؤقتً كل ما معكم من قواعد لغوية أعرابية درستموها فيما تسمى بمدارس اللغة العربية..


وعليه
لقد سألتني إحدى بناتي عن معنى مصطلح (الأعراف) في القرآن الكريم وبحيث أنني اعود واذكركم بأنكم ولكي تستطيعوا ان تدركوا معنى أي مصطلح من مصطلحات القرآن الكريم عليكم إعادته أولً الى فعل الامر الكوني النافذ الخاص به والمؤلف من حرفين فقط وعلى وزن (كُنّ) لتدركوا معناه وبكل دقة لأن جميع المصطلحات القرآنية وبشكل خاص وجميع مصطلحات لساننا العربي السامي وبشكل عام تعود في اصلها الى الله تبارك وتعالى ومن أنه قائلها ومن أنها جميعها عبارة عن أوامر كونية مبنية على أفعال الامر النافذة من المولى تبارك وتعالى لأن الله تبارك وتعالى فعال لما يريد..

ومثال على هذا أقول:
ان الله تبارك وتعالى واذا ما أراد أن يصنع شيء جديد فإنه يقول له (كُنّ) فيكون هذا الشيء ويتكون..
واذا ما أراد من أحدنا أن يعود فانه يقول له (عُدّ) فيعود هذا المأمور بالعودة ويتعود...
واذا ما أراد للشيء أن يصير فإن يقول له (صرَّ) فيصير هذا الشيء بالصيرورة ويتصور..

أي ان جميع أوامر الله وافعاله عبارة عن أوامر كونية نافذة وليست طلب أو رجاء او أي نوع من أنواع التفعيلات لأن أوامره نافذة تبارك وتعالى وبحيث انه واذا ما أراد شيء فإنه يقول له (كن.. فيكون) او (عد... فيعود) او (صر... فيصير) لان امره نافذ تبارك وتعالى ولا راد لأمره..

واذا ما كنا نقول بأن القرآن هو كلام الله فلابد لنا وان ندرك بأن أي مصطلح من مصطلحات هذا القرآن ومهما كان صغيرً او كبيرً في عدد حروفه فإنه حتمً يعود في اصله الى فعل الامر الكوني النافذ الخاص به والمؤلف من حرفين فقط وعلى وزن (كن) او (عد) او (صر) لان جميع كلمات الله عبارة عن أوامر كونية نافذة كما قلت لكم..

والان
وان نحن اردنا ان نعرف معنى مصطلح (الأعراف) او أي مصطلح غيره ونراه مؤلف من خمسة حروف او ستة حروف وكما هو الحال مع مصطلح (الأعراف) هنا فإن اول شيء نقوم به هو اعادت هذا المصطلح الى حالة الفعل الثلاثي المفتوح على وزن (فَ عَ لَ) لنستطيع بعدها ان نصل الى الامر الكوني النافذ الخاص به والذي يطالبنا دائمً بحذف احد هذه الحروف الثلاثة..

وعليه
ماهوا الفعل الثلاثي المفتوح لمصطلح (الأعراف) وعلى وزن (فَعَلَ) احبتي؟

احسنتم..
ان الفعل الثلاثي المفتوح لمصطلح (الأعراف) وعلى وزن (فَعَلَ) هو الفعل (عَرَفَ)...

والان
ماهوا فعل الامر الكوني النافذ لمصطلح (عَرَفَ) اذا ما كانت القاعدة تقول لنا بأن الامر الكوني النافذ مؤلف حصرً من حرفين فقط وان كان احدهما مشدد وعلى وزن فعل الامر الكوني النافذ (كُنّ)؟

احسنتم..
فالقاعدة تقول بأن الحرف الأول هو المرجح الأول لأن يكون حرفً إضافي ومن حروف الجر وليس من اصل الامر الكوني النافذ..

أي ان مصطل مصطلح (عرف) يعود الى الامر الكوني النافذ (رُفَّ) والذي موضوع الرأفة وتسهيل الامر وتبسيطه وميزانه (راف. روف. ريف) وجميعها تفيد موضوع الرأفة...

رُفَّ (راف. روف. ريف) وجميعها تفيد موضوع الرأفة بالشيء والتبسط في الأحكام الصادرة ضده لعدم ادراكنا المطلق للحقيقة الثابتة او المعرفة المطلقة وبحيث يدخل عليه حرف الجر والحركة "ع" والمختص بعكس المعنى فيصبح عندنا:
عرف (عراف. عروف. عريف) وجميعها تفيد عكس حالة التبسط في الاحكام الصادرة ضد الشيء لعدم ادراكنا للحقيقة الثابتة او المعرفة المطلقة لان العرف والأعراف هي لقوانين والثوابت المتعارف عليها والتي توجب علينا عدم الرأفة.

ولكي نفهم الرأف والأعراف بشكل فلسفي واضح ويتناسب مع موازين الكلمة التي اضعها لكم أقول:

ان الرأفة لا تكون الا مع المخطئين الذين وقعوا في الخطأ دون التعمد في الوقوع به لان المتعمد يصبح من المجرمين وليس من المخطين...

ومثال عليه أقول:
نحن نراف بأبنائنا او حتى بالمخطئين بحقنا لأننا بارين بهم وبمعنى اننا نجد لهم التبريرات التي دفعتهم للخطأ وهي (عدم المعرفة بانه خطأ) او الكثير من الحالات الغير محكومة بالعرف والأعراف الثابتة...

أي انني اراف بحالة المخطئ الذي وقع في الخطأ دون معرفته بأن هذا الامر الذي قام به ليس صحيحً او له قانون ثابت وعرفً من الأعراف التي تمنعنا من تجاوزه بشكل واضح وصريح..

فسفك الدماء وعلى سبيل المثال هو عرف واضح ومؤكد بأنه ممنوع تمامً وبحيث أننا نعتبر المقدم عليه مجرم ويستحق الإعدام اذا ما كان قد قام به عن سبق إصرار وترصد ودون أي دوافع أخلاقية...

ولكننا قد نراف بحالة احدهم ان كان قد سفك الدماء بسبب الخوف او الدفاع عن النفس او أي دافع من الدوافع الإنسانية التي فيها بعض اللبس علينا لأننا لم نختبرها بشكل صحيح ولم تصبح عرفً سائدً لدينا وذلك لأننا لم نختبرها او نجربها او اننا لم نضع انفسنا في مكان مرتكبها لندرك دوافعه..

ومن هنا تأتي الرأفة احبتي ومن انها حالة من التبرير للغير تعترينا ان نحن صادفنا مشكلة ليس لها عرف مؤكد كنا قد تعارفنا عليه كقانون ثابت لا يتغير..

ولهذا نقول نحن المؤمنين بالله تبارك وتعالى بأنه وحده الرحيم الرؤوف لأنه وحده تبارك وتعالى من يملك العلم المطلق والمعرفة المطلقة التي تصدر عنها جميع الأعراف فنكون جميعنا مجرد أطفال اغبياء بالنسبة له ومهما بلغنا من العلم فيبرر لنا أخطاءنا مهما بلغت لأنه هو البار تبارك وتعالى..

وبالطبع فإنني سأتوقف هنا عن شرح معنى (الرؤوف و الرأفة) لأنني وان اردت التبحر بها فلسفياً فإنني سأحتاج الى كتاب فلسفي كامل ان لم يكن كتب كثيرة في الفلسفة لان كل مصطلح من مصطلحات القرآن الكريم بحاجة الى كتب كثيرة لشرحه وبشكل مفصل ان كنا نريد التبحر به فلسفياً بما يستحقه من تبحر..

وعليه
فإن (الرف بالشيء) هي التبسط في الأحكام الصادرة ضد هذا الشيء لعدم ادراكنا المطلق للحقيقة الثابتة او المعرفة المطلقة وبحيث يدخل عليها حرف الجر والحركة "ع" والمختص بعكس المعنى فيصبح عندنا (العرف بالشيء) والذي هو حقيقة ثابتة من المعرفة المطلقة او عرف ثابت من الأعراف والتي هي قوانين وثوابت ومتعارف عليها وتوجب علينا عدم الرأفة.

واما الغرفة فهي الحالة الإيجابية للعرفة لان حرف "غ" له نفس عمل حرف "ع" ولكن في الحالة الإيجابية كما ذكرت لكم سابق.

فالغرفة هي ان نغترف غرفةً صغيرة من الشيء من اجل ادراكه ومعرفته والتأكد منه ليصبح عرفة بالنسبة لنا حينها وبعدما اغترفنا منه فعرفناه..

فلا نستطيع ان نعرف الشيء ويصبح من الأشياء المتعارف عليها قبل ان نأخذ منه غرفة او عينة صغيرة (نقيسها على انفسنا) لتجعلنا ندرك معناه الدقيق وسبب حدوثه..

وعليه
فلا يشترط بالغرفة هنا ان تكون غرفةً ماديةً من الشيء (كأن نتذوقه مثلً) لان الغرفة وفي الكثير من الأحيان تكون غرفةً معنوية وبأن اغترف من الشيء لنفسي او اضع نفسي في موضع فاعل الشيء لكي احكم عليه بالحكم الصائب أو العرف المتعارف عليه.

اذن
فإن مصطلح الغرفة يعود في اصله الى الامر الكوني النافذ (رُفَّ) وبحيث يدخل عليه حرف الجر والحركة "غ" والمختصة بعكس المعنى فيصبح عندنا (غرف)..

واما (السرف في الشيء) فهو الاستمرار الدائم في حالة الرأفة ومما ينتج عنه ما نسميه بالعامية (الدلع او فساد الاخلاق) لان الاسراف والمسرفين هم المستمرين دائما في هذه الحالة من الرأفة التي لا تعتمد على أي عرف من الأعراف او الروادع التي تمنع حدوث هذا الفعل.

اذن
فإن مصطلح السرف والاسراف والمسرفين يعود في اصله الى الامر الكوني النافذ (رُفَّ) والذي يفيد حالة الرأفة بحيث يدخل عليه حرف الجر والحركة "سوالمختص بالاستمرارية فيصبح عندنا (سرف) والذي يفيد المستمر دائما بجالة الرأفة دون أي عرف سائد او مبرر أخلاقي يردعه..

وبالطبع فإنني سأتبحر معكم لاحقً في جميع المصطلحات القرآنية التي أوردتها هنا أن شاء ربي السلام هذا ومنحني الوقت وحتى المال ومستلزمات الحياة لأن كل مصطلح من مصطلحات القرآن الكريم يحتاج مني الى موسوعة فلسفية كاملة لكي اوضحه لكم لأننا نتعامل مع مصطلحات إلهية كونية تحمل معها العلم كله والأعراف جميعها احبتي.

وكل الحب والسلام للجميع


محمد فادي الحفار
27/2/2021

أعجبني
تعليق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق