لقد جائني سؤال من أحد الأصدقاء عن معنى مصطلح (يعي) في القرآن الكريم ومن قوله عز من قائل:
(((اولم يروا ان الله الذي خلق السماوات والارض ولم يعي بخلقهن بقادر على ان يحيي الموتى بلى انه على كل شيء قدير)))
وبحيث يطلب مني أن اشرح له معنى عبارة (لم يعي) في هذه التالية الكريمة وهل هي تفيد عدم الادراك او الوعي وبأنه لم يكن واعياً ولا مدرك عندما صنع خلقه ام انها تعني التعب والارهاق ومن أنه لم يعاني من التعب والارهاق وهو يصنع خلقه؟
واما انا فأقول له بأن كلا الحالتين المذكورتين ليس بصحيح اكانت حالة التعب والارهاق او حالة عدم الادارك لان الله مدرك لكل شيء ولاشيء يدركه او يصفه فتعالى عم يصفون...
كما وانه ليس بحاجة لان يحدثنا عن ذاته وبأنه لا يتعب او لا يصيبه الارهاق لان التعب والارهاق حالة ادراك ايضاً وبحيث ان التعب يدركنا ولكنه لا يدرك الله قطعً وهذا من البديهيات..
وعليه
فإنني اعود وأؤكد عليكم بأن تنسوا حالات الصفة التي اخترعها لنا الاعراب في لغوهم ولغتهم وتتذكروا دائماً بأن جميع مصطلحات القرآن الكريم عبارة عن افعال وتعود في اصلها الى فعل الامر الكوني النافذ الصادر عن المولى تبارك وتعالى والذي هو فعال لما يريد وبحيث ان جميع كلماته عبارة عن افعال.
واما الان فأقول لكم بأن جميع المصطلحات القرآنية من "وعا" و "يعي" و "وعاء" و "يعينا" و "اوعيتكم" و "تعيها" و "واعية" عبارة عن تفعيلات لامر الكوني النافذ (عُيَّ) والذي يفيد وضعك للاشياء في وعاء خاص بها وميزانه (عايَ. عويَ. عييَ) وجميعها تفيد معنى وضع الشيء في وعاء..
نعم
فعندما اقول لكم مثلا (انه يُعي الشيء) اي يقوم حالياً بوضعه في وعاء ... وعندما اقول (إنه لم يعيه أو لم يُعي الشيء) اي لم يضعه حتى الان في الوعاء..
فالله سبحانه وتعالى وعندما خلق السموات والارض لم يستعين بوعاء لكي يضع به المواد الخاصة في صناعة السماء والارض لانه لايحتاج الى وعاء وذلك ان امره اذا اراد شيء ان يقول له (كُن) . (فيكون) ودون ان اي مقدمات او اي حاجة يستعين بها على تكوينه للشيئ الذي يريد له ان يكون.
اذن
فان قوله (لم يعي) تعني بانه لم يستخدم وعاء من اجل صنع صنيعته او لم يضع المادة التي يريد صناعتها في اي وعاء لانه لا يحتاج الى مساعدة من احد او من اي شيء في صنعه تبارك وتعالى..
واما الان فساعرض عليكم جميع تاليات التي جائت على ذكر مصطلح الوعاء في القران الكريم لتصلكم الصورة وبكل وضوح فاقول:
(((فبدا باوعيتهم قبل وعاء اخيه ثم استخرجها من وعاء اخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان لياخذ اخاه في دين الملك الا ان يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم)))
وهنا نرى معنى الوعي او مايقال عنه (وعاء) وبكل وضوح وكيف انه يفيد الشيء الذي نحتفظ في داخله بأشيائنا وبحيث أن اوعيتهم هي تلك الاكياس او الصناديق التي يحتفظون فيها باشيائهم اليس كذلك؟
اي ان اوعيتهم جمع ومفردها وصفتها (واعية) والتي تعي الاشياء ضمنها لاننا نضعهم داخلها..
وسيتضح لكم الفرق بين الجمع (اوعية) والمفرد (واعية) في قوله عز من قائل:
(((لنجعلها لكم تذكرة وتعيها اذن واعية)))
وهنا نرى بان الاذن واعية ورغم اننا نعرف بأن الادراك موجود في العقل وليس في الاذن فكيف يقول اذن واعية؟؟!!!
واما وان انتم ادركتم معي بأن الواعية هي الاناء او الصندوق او المكان الذي نحتفظ فيه بالاشياء لادركتم فعلاً بان مصطلح تعيها او الوعي او الوعية دلالات وتفعيلات لمعنى وضع الاشياء في وعاء..
فقوله (تعيها) اي تضعها ضمن وعاء خاص بها ولا تعني معنى الادراك ابدا..
وقوله (واعية) صفة مفردة للمكان الذي توضع فيه الاشياء...
(وعاء ... واعية) ... (إناء ... أنية) ... (رباء ... رابية) ... (سماء ... سامية) وهكذا.
اذن
فان الواعية هي الوعاء الذي نعي فيه الاشياء التي نريد ان نضعها في وعائها او اوعيتها الخاصة بها..
واما قوله عز من قائل:
(((وجمع فاوعى)))
اي جمع الاشياء ووضعها في وعاء خاص به لتكون له وحده دون سواه وبحيث ان هذا دليل على الشح والبخل في الطبيعة الانسانية ومن انها خطاب لنا جميعنا وكيف اننا نحتفظ بالاشياء لانفسنا وبدليل قوله تبارك وتعالى:
(((والله اعلم بما يوعون)))
اي ان الله يعلم بجميع الاشياء التي نخفيها داخل اوعيتنا ونختص بها انفسنا دون سوانا..
وعليه
فان جميع المصطلحات القرانية من (يعي و اوعى و يوعون و واعية) تفيد الاشياء الموضوعة ضمن وعاء من اجل استخدامها لاحقً ولا علاقة لها بالادراك او التعب من قريب او بعيد.
كما واننا جميعنا نحن بني ادم او جميع مخلوقات ربي الحية عبارة عن اوعية واعية لاننا نعي الاشياء ضمن انفسنا ومنذ لحظة ولادتنا وبمعنى (نحتفظ بها في ذاكراتنا وحتى وان كنا لا نفهمها او لا ندرك معنها) وذلك لان الطفل الصغير يعي حركات امه منذ لحظة ولادته وبمعنى انه يحتفظ بهذه الحركات في وعاء ذاكرته وحتى وان لم يدرك معناها بالشكل صحيح..
اذن
فجميعنا واعين او (اوعية) وحتى الاطفال والحيوانات والحشرات والكائنات المجهرية لاننا نعي الاشياء في وعاء وبمعنى (نحتفظ بها في اوعيتنا دون الضرورة لفهمها وادراكها ) ومما يؤكد باننا جميعنا واعون ودون الحاجة للادراك لان الوعي هو وضع الاشياء في وعاء ولا علاقة له بالادراك او الفهم من قريب او بعيد.
نعم
فانت قد تهديني كتاب فاعيه في مكتبتي (احتفظ به في مكتبتي) دون حتى ان اقرءه او اضطلع على محتواه ومع هذا اكون واعيً له لانني قد احتفظت به ضمن اوعيتي ودون حتى ان ادركه لاني اصلا لم اضطلع على محتواه.
وكل الحب والسلام للجميع
محمد فادي الحفار
20/10/2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق