الأربعاء، 17 مارس 2021

المنشور "158" (اصرا و مصرا)

 



لقد طُرح سؤال على أحد مدعي التنوير عن معنى مصطلح "اصرا" في التالية الكريمة التي يقول فيها قائلها (ربنا ولا تحمل علينا اصرا ) فكان جوابه بأن القرآن الكريم يعود الى أبناء حام (والمصرين منهم) وبحيث أن مصطلحاته ليست مفهومة بدقة لغير المصريين تحديدً ومن انه استشهد بعدها بالمثل القائل (خُدها من اصرها) وعلى ان هذا المصطلح او الكلمة المصرية "اصرها" هي ذاتها مصطلح "اصرا" في القرآن الكريمة وتفيد المعنى ذاته لان لغة القرآن مصرية!!!

والجدير بالذكر هنا أن بعض السلفيين المصريين ردوا عليه غباءه وقالوا له بأن عبارة (خدها من اصرها) المصرية تعود في اصلها العربي الى عبارة (خدها من قَصِرها) وبمعنى الطريق القصير او المختصر ومن ان المصرين ينطقون حرف القاف ألفً (وهذا صحيح طبعً) وبحيث أنه واذا ما كان مصطلح (اصرا) يفيد الشيء القصير فإن تالية (ربنا ولا تحمل علينا اصرا) يكون معنها غير منطقي وكأنهم يطلبون من الله الا يحمل عليهم الشيء القصير وانما يحمل عليهم الشيء الطويل وكأنهم يريدون الأشياء الأكثر صعوبة لأنفسهم.

ولقد اعجبني رد هؤلاء السلفيين على هذا الاخرق المدعي للتنوير وهو اكثر ضلالً من الضلال ذاته حتى بدأوا وبدورهم يشرحون كلمة اصرا وعلى انها تفيد العهد وبحيث استشهدوا بقول النبي لاتباعه (قال ااقررتم واخذتم على ذلكم اصري قالوا اقررنا) ومن انهم يرون بان كلمة (اصري) = (عهدي) وهذا هو الترادف بعينه..

واما المنهج الكوني أحبتي فإنه يوضح لكم الكلمة ومعناها بكل دقة إن انتم وجدتم الامر الكوني الخاص بها وميزانه فأقول:

إن جميع المصطلحات القرآنية من (اصرا) و (اصري) و (اصرهم) و (اصروا) و (يصروا) و (يصرون) و (صرة) تعود في اصلها الى امر الكوني النافذ (صُرَّ) والذي يفيد حالة الإصرار وميزانه (صار. صور. صير)...

صُرَّ (صار. صور. صير) وجميعها تفعيلات تفيد معنى الإصرار الناتج عن التصّير وبحيث يصير هذا الشيء ويتصُّرَ وكما أراده له صاحب الإصرار.

وبالطبع فإنني ادعوكم هنا الى قراءة منشور (صور الاعراب و صور القرآن) ومنشور (صرة الاعراب و صرة القرآن) لتكتمل معكم الصورةَ أن انتم اصررتم فعلً على فهم مصطلحات القرآن..

واما الان فتعالوا معي لكي اضع لكم بعض التاليات التي جاءت على مصطلح "اصرا" كما هو ترتيبها لأعرابي لكي اشرحها لكم فأقول:

(((لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطانا ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين)))

أي انهم يطلبون من ربهم ان لا يحمل عليهم حالات من الإصرار كما حملها على الذين من قبلهم وبحيث ان كلمة (انصرنا) أيضا تفيد حالة الإصرار وبمعنى (امنحنا حالة الإصرار في انفسنا) لان مفهوم النصر وبحد ذاته لا يحدث إلا بحالة الإصرار كونه مشتق منها ومن تفعيلات الجذر ذاته.

1- (((واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ااقررتم واخذتم على ذلكم اصري قالوا اقررنا قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين)))

واخذتم على ذلكم اصري (أي اصراري على موقفي بما معي من رسالة وأفكار) وبانكم اقررتم لي ما انا عليه من فكر ومهما كان مخالفً لما معكم وكاعتراف منهم بان علم الرسول اكثر من علمه.

2- (((الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون)))

وقوله (يضع عنهم اصرهم والاغلال) أي يضع عنهم كل أنواع الإصرار التي معهم وفي انفسهم على ما معهم من عقائدهم تغلهم بأغلالها...

نعم
فالنبي الامي وعندما يأتي (وكحال جميع الأنبياء) فإنه يقوم بتدمير عقائد قومه واتباعه التي يصرون عليها وعلى صحتها ويغلون انفسهم بمُتطلباتها وحتى قرابينها..

(((مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر اصابت حرث قوم ظلموا انفسهم فاهلكته وما ظلمهم الله ولكن انفسهم يظلمون)))

والريح التي فيها صر هي الريح التي تبقى مدةً طويلة وكأنها مُصرةً على ان تدمر كل شيء في طريقها ولا تُبقي حجرً على حجر في كل مكان تمر عليه..

وحتى كلمة "مصر" في القرآن الكريم وبقوله (اهبطوا مصرا) او قوله (ادخلوا مصر) تفيد حالة الإصرار او العاصمة الكبيرة والتي هي مركز القرار والإصرار على تنفيذ..

أي انه لا يشترط بمصطلح "مصر" ان يقصد به مدينة القاهرة تحديدا وانما هو يفيد كل مدينة ضخمة وفيها مركز القرار والإصرار.

وأيضاً فإن كلمة "قصر" و "قاصرات" من جذر الاصرار وتفيد هنا قدرية الاصرار بسبب دخول حرف الجر والحركة "ق" والمختص بالقدرية والمقادير..

والحال هو ذاته مع كلمة "عصر" ومن انها من جذر الاصرار ولكنها تعكس معناه بسبب دخول حرف الجر والحركة "ع" والمختص بعكس المعنى فيكون العصر والمعصرات هي الاشياء التي لا تملك حالة الاصرار..

وعليه
فإن المصطلحات القرآنية التابعة لفعل الامر الكوني النافذ "صُرَّ" كثيرة جدا وكحال جميع المصطلحات القرآنية وأوامرها الكونية النافذة.

وكل الحب والسلام للجميع


محمد فادي الحفار
17/1/2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق