اكثرنا قد قرأ التالية الكريمة التي تقول (افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت) والتي شرحها الاعراب لنا وعلى انها تفيد حيواناتهم الصحراوية التي يستخدمونها في حلهم وترحالهم ونقل بضائعهم وتجارتهم وكأن الله لم يخلق أنواع اخرى من الحيوانات حتى يضرب لنا المثل بهذا الحيوان الصحراوي فقط وكيف خلقه وكأن هذا الحيوان هو الأكثر تطورً بين جميع الحيوانات من حيث خلقه لكي يضرب الله لنا المثل فيه!!!!
فلماذا ضرب الله المثل لنا في هذا الحيوان الصحراوي تحديدً وبأن ننظر اليه وكيف خلق؟!!
لماذا لم يضرب لنا المثل بالأسد والنمر او حتى البطريق والكنغر والدب القطبي؟؟!!!
وهل كتاب الله خاص بأمة الاعراب من البدوا وحياتها الخاصة او حيواناتها الاليفة فقط لكي يضرب لنا الأمثال حولها وينسى غيرها من باقي الأمم وحيواناتها ام انه كتاب مبين للناس كافة؟؟
وعليه
وبغض النظر عن هذه المقدمة التي ادرجتها لكم أعلاه أقول:
إن مصطلح (الابل) والذي هو (ابل) يفيد معنى البلاء او الأشياء التي تتعرض للبلاء وتصبح بالية وبحيث أن الشيء البالي هو الشيء الذي تتغير حالته الاصلية التي كان عليها ويصبح في حال اخر او شكل اخر...
أي ان الشيء البالي هو الشيء الذي تتغير حالته وليس الشيء الذي يتلاشى من الوجود نهائياً...
فالقماش البالي وعلى سبيل المثال هو القماش الذي تغيرت حالته الاصلية التي كان عليها واصبح مهترئ او باهت اللون ولكنه كمادة مازال موجود ولم يختفي او يتلاشى..
إذن
فإن عبارة (لقد ابلَ الشيء) تفيد الفاعل الذي قام بعملية إبلاء هذا الشيء من خلال عملية الاستخدام فتغيرت حالته وبحيث انه يعود في اصله الى فعل الامر الكوني النافذ الخاص به وهو الامر (بُلَّ) والذي هو امر كوني نافذ عليك وبأن تكون عندك القدرة على إبلاء الأشياء وتغير حالتها وميزانه هو (بال. بول. بيل)...
بُلَّ (بال. بول. بيل) وجميعها تفعيلات تفيد معنى البلاء او الأشياء التي تبلى بين فاعل وصفة ومفعول به..
أي ان مصطلح (بول) والذي هو عبارة عن صفة في ميزان تفعيلاتنا يفيد الحالة التي نصف بها الأشياء البالية التي تغيرت من حالتها الجيدة الى حالتها الأقل جودة وبحيث أننا نقول عن الماء الذي يخرج من اعضائنا التناسلية بانه (بول) لان حالته الجيدة من الصفاء والنقاء التي كان عليها قد تغيرت بعد مرورها في اجسدنا وأصبحت بالية او صفراء وتشوبها الشوائب..
وعليه
فإن الخلاصة تقول هنا بان (الابل و ابلى و يبلوكم) دلالات قرآنية على الأشياء البالية او التي تغير حالها من الأفضل الى الأسواء او من الاجود الى الأقل جودة...
وقوله عز من قائل (افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت) هو استغراب وتعجب من حالنا نحن الانسان وكيف لا ننظر الى الأشياء البالية او المعرضة للبلاء والتي تحيط بنا ونتعظ منها ونتفكر فيها وكيف انها وفي لحظة ولادتها او بداية صنعها في الزمن الماضي كانت في اجمل وافضل حالتها ومن ثم تدهورت حتى وصلت الى هذه الحالة التي هي عليها وأصبحت بالية...
فأنا إبل وانت ابل وجميع الكائنات الحية من الإبل لأننا معرضين لحالة البلاء..
فالكائنات التي تبلى وكحال الأشجار التي لم تعد تثمر مثلً تعتبر من الابل التي ابلت حالها وبحيث يجب ان ننظر اليها ونتعظ..
كما وانني وعندما اشتري سيارة جديدة وفي كامل جمالها ورونقها ومن ثم تمضي عليها السنين وتصبح خردة فإنني استطيع ان أقول لكم عبارة (افلا تنظرون الى الابل كيف خلقت) او الى هذه السيارة البالية وكيف كانت حالتها عندما اشتريتها من المصنع لكي تدركوا بأن كل الأشياء وكل المخلوقات ستبلى مع الأيام والسنين وتقدم العمر فتكونوا انتم وبحد ذاتكم من الابل او الحالات البالية حينها فتندمون على ما فاتكم من العمر ومن انكم لم تبلوا اعماركم فيما ينفعكم اليوم وانتم في هذه الحالة البالية..
وقوله ايضا وعلى سبيل المثال (بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه) دلالة على حالة البلاء التي ابلى فيها هذا الانسان حياته وهو في سلام واحسان ومن ان له جوار ربه في نهاية المطاف وهذا بكل تأكيد لان البلاء الذي نبلي فيه اجسادنا اما ان يكون في الخير او الشر..
وكذلك هو الحال مع قوله عز من قائل (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين) دلالة على حالة البلاء التي حدثت معكم وكيف تغير الأمان الى خوف والشبع الى جوع لان البلاء هو تغير في الحال الى الأسو وليس زوال الحال نهائياً وكما ذكرت لكم أعلاه..
واما الان فارجوا منكم ان تلاحظوا معي التالي لأنه ضروري جد فأقول:
إن فعل الامر الكوني النافذ (بُلّ) لا ينفصل عن بعضه ابدا الا من خلال حروف الميزان الخاصة وهي الالف والواو والياء او (بال. بول. بيل) وبحيث انه يكون متصل ببعضه دائما وعلى النحو التالي:
بلى ... ابلى ... يبلي... تبلي ... نبلو ... تبلو ... نبلوكم ... بلاء ... تبلون ... يبلونكم ... يبلوكم ... نبلوهم ... بلوناهم ...
واما وعندما نصادف المصطلحات التي تنفصل فيها احرف الامر الكوني النافذ (بل) عن بعضها او يباعد بينهما بحرف ليس من حروف ميزانها (الالف والواو والياء) وكحال دخول حرف "التاء" مثال وكقوله (ابتلى. ابتلوا. مبتلين. مبتليكم) فعليكم ان تدركوا فورا بان هذه المصطلحات ليست تابعة لفعل الامر الكوني النافذ (بُلَّ) وانما هي تابعة لفعل امر كوني اخر وذلك لان احرف الفعل الكوني النافذ لا تنفصل عن بعضها الا بواسطة الحروف الخاصة بميزانها فقط وهي (الالف و الواو و الياء) حصرً.
فمصطلح (ابتلى. ابتلوا. مبتلين. مبتليكم) ليسوا من الامر الكوني النافذ (بُلَّ) وانما هم من الامر الكوني النافذ (تُلَّ) والذي يفيد الامر بعملية التتالي او التلاوة وميزانه هو (تال. تول. تيل) والتي تفيد جميعها عملية التلاوة...
تُلَّ (تال. تول. تيل) وجميعها تفيد معنى التتالي للأشياء او تلاوتها..
أي ان قوله عز من قائل وعلى سبيل المثال هنا (واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات) لا تعني بأن إبراهيم قد جعل ربه يبلى فيصبح الرب من الأشياء البالية التي تبلى هنا وانما هي تأكيد على عملية التلاوة التي قام بها إبراهيم على مسامع ربه (تلى ... ابتلى) ومن ان إبراهيم قام بتلاوة بعض الكلمات على ربه (وكحال التلميذ الذي يقرئ ما عنده على استاذه في الامتحان لكي يحصل على الشهادة) وبحيث أن تلاوة إبراهيم او أفكاره حينها لم تكن تامة او صحيحة وبالشكل المطلوب ومن ان الرب المربي قام هنا بتصحيح كلمات إبراهيم واتمامها له ومن ثم منحه بعدها الشهادة وجعله امام للناس..
وأيضا فان قوله عز من قائل (ان الله مبتليكم بنهر) لا تعني عملية البلاء وانما تعني عملية التلاوة والتتالي (تلاكم.. تليكم) . (مبتلاكم...مبتليكم) وذلك لان ذرات الماء تتلوا بعضها البعض وهي في عملية تتالي...
فالنهر دائما في عملية تتالي لان مياهه تتلوا بعضها البعض دون انقطاع وبحيث أننا وان كنا نسير على ضفة النهر لمسافة طويلة مثلاً ودون ان نغادر ضفته فان مياهه تكون في حالة تتالي معنا وكأنها تتلونا وتتبعنا فجاءت التالية عليها بمصطلح (تليكم) او (مبتليكم) بكاف الملكية للمخاطب لان هذه المياه متوفرة لنا دائما أثناء مسيرتنا وكأنها تتبع خطانا في هذه المسيرة فتكون في حالة (تلينا) ان كان الخطاب موجه لنا او حالة (تليكم) ان كان الخطاب موجه لمن نقوم نحن بخطابهم..
وأيضا فإن قوله عز من قائل (هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا) أي انه قد جعل الأشياء او الأفعال تتالى عليهم بشكل كبير كالمصائب المتعددة مثلاً او حتى الكلمات المتتالية التي سمعوها حينها وجعلتهم يتزلزلون زلزالا شديد لشدة واطئتها عليهم...
وأيضا فان قوله عز من قائل (وابتلوا اليتامى) لا تعني قطعً بأن نقوم بأبلاء هؤلاء اليتامى ونجعل أجسادهم تبلى او تهترئ وانما تعني عملية التلاوة عليهم وتعليمهم لان اليتامى هم الذين لم يتمُّ ما هو مطلوب منهم او حتى لم يتمموا مرحلة ما من عمرهم وبحيث اننا نعلمهم ونتلوا عليهم ما معنا لكي ينضجوا ويتمموا امرهم ومن بعدها نعطيهم حقوقهم ونطلقهم للحياة العملية وبحيث ارجوا منكم هنا قراءة منشور (يتامى الاعراب ويتامى القرآن).
اذن
فان مصطلح (تلى. ويتلو. وتالي. وبتول. وابتلى. ومبتليكم) يفيد الأشياء التي تتلو او تتلى او حتى تتلونا نحن ومن ميزانها (تال. تول. تيل)...
تُلَّ (تال. تول. تيل) وجميعها تفيد معنى التلاوة والتتالي للأشياء التي تتلو بعضها البعض.
وقولنا (تول) صفة لعملية التلاوة...
وقولنا (بتول) أي ان صفتها هي مداومتها على عملية التلاوة..
أي ان اسم (مريم البتول) لا يعني العذراء او البكر التي لم تفقد غشاء بكارتها وكما هو الحال في الشرح الاعرابي الكريه وانما تعني المستمرة دائما في تلاوة الأشياء...
وقد اطلق على السيدة مريم لقب (البتول) لأنها ومنذ نعومة اظفارها دخلت الى محراب العلم و بدأت تتلو جميع تاليات ربها على يد معلمها النبي الكريم زكريا الذي كفلها منذ طفولتها وادخلها معه الى محراب العلم الخاص به.
وكل الحب والسلام للجميع
محمد فادي الحفار
14/2/2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق